الحلم الوطني (زاوية: مواطن 2035)

بقلم : محمد ناهس العنزي

لقد أصبح علم التخطيط الاستراتيجي مدخلا أساسيا للدول في بناء قدراتها التنافسية العالمية، وتطبيق الاستراتيجية على أرض الواقع يمنع الكثير من الممارسات المتناقضة في الدولة وما يسمى بالأنشطة المتضادة. لعل أجمل تعريف للتخطيط الاستراتيجي هو «هندسة المستقبل وفق الإرادة الوطنية». هندسة المستقبل بمعنى تشكيله، وكأنه قطعة من صلصال أو معدن قابل للتشكل. والسؤال: كيف نشكله؟ الإجابة ببساطة: وفق الإرادة الوطنية!

وقد طرحت في مقالي السابق سؤالا: ماذا نريد للوطن، للكويت الحبيبة، بعد 25 عاما أو 50 عاما من اليوم؟ ويتعلق بذلك أسئلة أخرى منها: ما شكل كويت المستقبل برا وجوا وبحرا؟ ما مميزاتها كدولة؟ كيف تدار عجلة اقتصادها؟ بماذا يمتاز مواطنوها؟ ما القوة الاستراتيجية التي تملكها الدولة ضمن المنظور التنافسي العالمي؟ ما طبيعة الصناعات فيها؟ ما طبيعة التركيبة السكانية آنذاك؟ الكويت في عام 2035 أو 2050، ما نقاط قوتها، ضعفها، تحدياتها، وفرصها الاستراتيجية؟

ولعل العديد يتساءل إن كنا نملك حاليا إجابات شافية وشاملة عن هذه الأسئلة. حتى وإن لم يعرفها المواطن العادي البسيط، أتساءل عن مدى توافر هذه الإجابات للساسة وأعضاء مجلس الأمة أو المجلس البلدي أو الهيئات المهمة في أركان الدولة.

وقد طرحت التحدي الأبرز وهو إنتاج وتأسيس «الحلم الوطني»، وهو الحلم الذي يعبر عن طموحات المواطنين وآمالهم تجاه وطنهم. ومن المهم جدا التفريق بين خطة الحكومة أو أهداف حزب معين يقود المشهد السياسي لمدة معينة (في بلد ما) وبين الخطة الاستراتيجية العامة للدولة. وهذا ما نشهده عبر تعاقب الأحزاب والتيارات على منصب رئاسة الحكومة وأغلبية البرلمان، فهم جميعا يستمرون قدما نحو تحقيق الأهداف الكبرى والاستراتيجية للدولة، بغض النظر عن انتماءاتهم.

أين نحن اليوم من وضوح «الحلم الوطني» ومعرفته وقراءته وتداوله ورسوخ معناه وأبعاده في ذهن الساسة والاقتصاديين والمعلمين وعموم المخططين للدولة؟ ماذا عن خطط المؤسسات الكبرى في الدولة وانسجامها مع خطة الدولة ككل؟ أين هي أبعاد هذا الحلم وإسقاطاته في مناهجنا الدراسية، وسياسات التعليم العالي والتعليم المهني، وربما جميع سياسات الوزارات والهيئات؟ لا أعتقد أننا سنجد أثرا للخطط التنموية والخمسية ما لم تتضح لدينا جميعا «إلى أين نسير، وماذا نريد لمستقبل هذه البلد الكريم والمعطاء».

ما هي غاياتنا الوطنية الكبرى، ولندع جانبا اللهاث نحو كتابة الخطط الإنشائية بهدف اعتماد الميزانيات المالية السنوية وحسب، ولننظر الى بيتنا من الداخل ونعيد ترتيب الأولويات والغايات الوطنية التي متى ما اتضحت، تجلى المشهد وتبلورت الخطة واتسقت الموارد وتضافرت جهود الدولة بكل أفرادها ومؤسساتها، وعندها سيتبنى الجميع الحلم الوطني.. الغائب.

نشر المقال في الأنباء بتاريخ 7 أكتوبر 2020.