ا أعرف إن كنت قد حظيت يوما بمهانة العمل مع المدير الأراجوز، عزيزي القارئ. وإن لم يكن، فدعني أحدثك عن بعض مشاهداتي وأشاركك بعض تجاربي.
بداية، يصعب على العاملين مع «المدير الأراجوز» والمحيطين به معرفة طريقة إدارته أو ملامح شخصيته، إلا إذا تمكنوا من معرفة ثلاثة أشياء:
كيف وصل إلى المنصب؟ من الذي يشير عليه؟ وكيف يتخذ قراراته المهمة؟ عندها فقط، ستبدو شخصيته واضحة جدا، ويسهل عليك التعامل معه.
ومن باب التعريف، فإن «الأراجوز» هو إحدى الدمى التي تنتمي إلى عالم ما يعرف بـ«مسرح العرائس». وعلى وجه الدقة، هو عبارة عن دمية يتم التحكم فيها عن طريق اليد بحيث يستطيع اللاعب (وبشكل خفي) أن يحرك رأس الدمية أو أجزاءها بأصابع يده، في حين تختفي يد اللاعب بشكل كامل داخل جسم الدمية، وهكذا يقوم بتحريكها وتوجيهها كيف يشاء!
كيف وصل إلى المنصب؟ من الذي يشير عليه؟ وكيف يتخذ قراراته المهمة؟
تتشابه هذه الدمية مع صاحبنا المدير «الأراجوز» بعدة أمور، ألخص أبرزها:
إن رأس الدمية مصنوع من خامة خفيفة كالخشب، ورأس المدير (أو بالأحرى عقله) خفيف أيضا، يطيش به من يشاء من أصحاب النفوذ والمصلحة. أما يدا الدمية، فهما قطعتان من خشب، وتشبهان يدي المدير الذي لا يملك أن يوقع قرارا إلا إذا جاءه هاتف مسؤول يضطر لأن يجيبه وإلا تحترق كل أخشابه سريعا. تتسم ملامح الدمية بتعبيرات محايدة متنوعة تسمح للاعب بها بأن يشكل ملامح وجهها كيف يشاء، حتى إن حمرة وجه المدير تكاد تختفي عندما يصدر قراراته المسيسة والموجهة.
أما بيئة عمل المدير فهي منقسمة إلى بيئتين، بيئة يظهر فيها للناس أنه هو المتحكم والمسيطر أمام زملائه وأتباعه، وبيئة أخرى داخلية يتم فيها إخضاعه وتوبيخه وتوجيهه. يخرج من غرفتهم المظلمة متحمسا متلعثما متظاهرا أمام الجموع «في الصباح الباكر» بأنه سيد قراراته، ولا يدري المسكين أن هناك الكثير ممن استطاع خلال فترة وجيزة ممن عملوا معه، أن يجيب عن الأسئلة الثلاثة أعلاه! يلاحظ هؤلاء تردده على الغرف المظلمة، وكثرة الاتصالات السرية التي تغرقه خارج أوقات العمل الرسمي، ونتائج اجتماعاته التي تصب في مصلحة أو مصالح اللاعبين به!
المدير الأراجوز قد يكون شخصا بسيطا أيضا، لكنه ينفذ أجندة خطيرة ومتناهية الدقة.
تمثيلية سمجة يمارس فيها دوره، ويأخذ منها أجره، ويتم فيها استبداله ولو بعد حين. العمل معه تماما كمسرح العرائس الذي سئم منه المتفرج الناضج، كما مل من تكرار ألاعيبه الأشخاص الجادين والصادقين.
ولعلمك عزيزي القارئ، أن المدير الأراجوز قد يكون شخصا بسيطا أيضا، لكنه ينفذ أجندة خطيرة ومتناهية الدقة.
وأخيرا، فإن هذا «الأراجوز» عادة ما يتسبب في بيئة عمل سامة، والمسرح الذي يتألق فيه صغير نسبيا، ولا يسمح بلاعبين كثر حتى لا تزدحم المنصة…وتظهر أيادي اللاعبين من الخلف، أو من الأسفل!
بقلم : محمد ناهس العنزي
نشر في جريدة الأنباء – 22 مارس 2023