تواجه خطة التنمية ورؤية الكويت 2035 التي حددت خارطة طريق لتطوير وتنمية جميع القطاعات في البلاد تحديات جمة في مقدمتها تنمية الموارد البشرية حيث أن الانتقال إلى اقتصاد المعرفة يتطلب توفير الأيدي العاملة الماهرة والمبدعة واعتماد التعليم والتدريب المستمر لرفع الإنتاجية وزيادة التنافسية للدولة فيما يعتبر رأس المال البشري، أكثر الأصول قيمة في الاقتصاد الجديد، المبني على المعرفة.
في حديث خاص مع “السياسة” قال محمد ناهس العنزي وهو أحد المؤسسين والرئيس التنفيذي لأكاديمية العلوم الحياتية (مملوكة للشركة الوطنية لمشاريع التكنولوجيا إحدى شركات الهيئة العامة للاستثمار).
إن انفاق معظم المؤسسات الحكومية والخاصة على التدريب يبدو هزيلا ولا يتماشى مع خطط التطوير المستقبلية وتنمية الموارد البشرية، فيما أغلب دول العالم تخصص نسبة 3 إلى 6 في المئة من ميزانيات مؤسساتها على التدريب والتطوير المستمر.
وشرح العنزي كيف يتم تدريب وتأهيل الكوادر تمهيداً لتوليها مسؤولية القيادة في الجهات والمؤسسات الكبرى، وخصوصا قطاع الرعاية الصحية الذي تتخصص فيه أكاديمية العلوم الحياتية، داعياً الحكومة إلى وضع مخصصات كافية للتدريب والتأهيل في جميع دوائرها ومؤسساتها للارتقاء بالكوادر الوطنية، مؤكدا استعداد الاكاديمية المساهمة في 3 برامج من رؤية 2035 وهي: تنمـية العمالة الوطنيـة، برنامج رعاية وتمكين الشباب العامل في قطاع الرعاية الصحية، وبرنامج الأمن والسلامة، متسائلا لدينا أحدث الأجهزة وأفضل الأدوية ومازال الغالبية يشتكون من سوء الخدمة وفاتورة العلاج بالخارج تتزايد.
وأشار الى أنه وفقا للأرقام المعلنة فان تكلفة العلاج بالخارج فاقت ال 400 مليون دينار في عام 2014، فكم سيكون حجمها في عام 2035 معلنا استعداد الأكاديمية بالتعاون مع وزارة الصحـة والجهات المعنية في الدولة لوضع خطة تدريب وتطوير شاملة لكافة موظفي وزارة الصحة للمساهمة في تحسين مستوى الخدمة والرعاية الصحية. و فيما يلي المزيد من التفاصيل:
*هل هناك جهات عالمية تتعاملون معها في مجال التدريب والتطوير؟
– خلال عامين فقط، نجحت الأكاديمية في استقطاب أكثر من 20 جامعة ومسـتشفى تعليـمياً ومؤسسات تعليمـية عريقة من كنـدا والممـلكة المـتحدة وأميركا بالإضافة إلى جمعيات مهنـية أقلـيمية معتبرة في القطاع الطبي. ولدينا الآن أكثر من 50 برنامجاً تدريبياً متوافراً للعاملين في قطاع الرعاية الصحية وهي برامج نوعية ومكلفة في حال رغب الطبيب أو الصيدلي على سبيل المثال في السفر للخارج لأخذ هذه البرامج التدريبيـة.
* باعتباركم جهة مملوكة لإحدى شركات الهيئة العامة للاستثمار كيف تساعدون في تنفيذ المشروعات الصحية الحكومية؟
– قطاع الرعاية الصحية من أهم القطاعات الواعدة في الكويت وينمو بشكل مطرد في العالم أجمع، وقطاع التنمـية البـشرية هو الأكثر أهمية وحساسية، وتأهيل الكوادر الوطنية هو الهاجس الرئيسي. وقد قدمنا للوزارة مشاريع تدريبـية وتنموية كبرى بعد أن درسنا الاحتياجات التدريبية والمهنية في بعض القطاعاتالمهمة. وبموجب الشراكات الدولية التي تمتلكها الأكاديمية بإمكاننا جلب أفضل الجامعات والمستشفيات لنقل خبراتها إلى الكويت.
في ملف العلاج في الخارج أنفقت الدولة 400 مليون دينار (لعلاج 11 ألفا حالة) في العام الماضي، ولو استثمـرنا 5% من هذا المبلغ في تنمية وتطوير العاملين من أطباء وممرضين وصيادلة وإداريين وغيرهم لتحسنت الكثير من الخدمات الصحية ولتمكنا أيضا من التوفير في ميزانية العلاج بالخارج. وهذا المبلغ التقريبي كاف بأن تقوم الأكاديمية (وهي تابعة للدولة) بالمساهمة في إعداد خطة تنموية شاملة لتدريب وتأهيل جميع العاملين بوزارة الصحة (البالغ عددهم 50 ألف موظف) وبشكل يتماشى مع التوسعة المرتقبة في عدد الأسرة والمستشفيات والذي يجب أن يتناغم ويحقق رؤية الكويت لعام 2035.
* كيف تقيمون إنفاق المؤسسات العامة والخاصة على التدريب؟ وما متوسط حجم الإنفاق على تدريب الطبيب في الكويت؟
– في الحقيقة لا توجد أي احصائيات رسمية في معدل إنفاق الدولة على تدريب الأطباء أو غيرهم من العاملين في الرعاية الصحية (عدا الأرقام الخاصة بالابتعاث خارج الكويت). حيث أن معرفة هذه الإحصائيات مهمة جدا في بناء خطة وطنية متكاملة مع الوزارة أو المجلس الأعلى للتخطيط والتنمـية.
وبشكل عام فإن إنفاق المؤسسات الصحية العامة والخاصة (مع وجود بعض الاستثناءات) يبدو هزيلا وهذا لا يتماشى مع خطط التطوير المستقبلية وتنمية الموارد البشرية.
في تصوري أن حجم ميزانية الصحة والذي يفوق حاليا 1.5 مليار دينار سنويا، يجب أن يضع في الحسبان الاستثمار في التطوير المستمر للكفاءات المحلية حيث أن التدريب والتطوير في الدول المتقدمة يعد من أهم عوامل نجاح كبرى الشركات العالمية.
اقتصاد المعرفة
* كيف تدعمون خطط الدولة المتعلقة بالتحول إلى اقتصاد المعرفة؟
– لقد اطلعت على خطة التنمية والتي تقوم على 7 ركائز رئيسية أحدها “رأس المال البشري الابداعي”، والذي يحتوي على عدة برامج مهمة وبإمكاننا المساهمة في 3 برامج منها وهي: تنمـية العمالة الوطنيـة ، برنامج رعاية وتمكين الشباب ، وبرنامج الأمن والسلامة. وكل هذه البرامج تدخل في صلب عمل أكاديمية العلوم الحياتية وبامكاننا الاضطلاع بدور خاص مرتبط في تطوير جودة الخدمات الصحية.
* ﻣﺎ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ التدريب في قطاع الرعاية اﻟﺼﺤية؟
– اﻟــﺘــﺤــﺪﻳــﺎت اﻟــﺘــﻲ ﺗــﻮاﺟــﻪ ﻗــﻄــﺎع اﻟــﺮﻋــﺎﻳــﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ متنوعة ولكن ما يعنينا في عملنا بالأكاديمية هو عدم وجود تشريعات وقوانين واضحة تلزم بعض المهن في قطاع الرعاية الصحية بضرورة التطوير المهني المستمر. فهناك برامج تدريبيـة في أقسام الجراحة وطب الطوارئ والنساء والتوليد أصبحت الزامية وضرورية قبل أن تحصل على ترخيص مزاولة المهنة أو حتى تجديدها وهذا يحفز الطبيب مثلا على التدريب والتطوير المهني المستمر، وربما تدخل أيضا في تقيـيمه السنوي والترقية التي يحصل عليها.
وجهة نظر حكومية : من التحديات التي تواجه جميع دول الخليج هي النسبة الكبيرة للعمالة الأجنبية والآسيوية في قطاع الرعاية الصحية وﻧﺮى داﺋﻤﺎ أﻧﻪ ﺗﻮﺟﺪ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﺳﺘﻘﻄﺎب هذه الكوادر ﻣﻦ خارج الكويت أو الخليج، وبالتالي تخشى الحكومات عموما في الاستثمار المكثف في العمالة الأجنبية لأنها مهاجرة والحل يكون دائما بإعطاء الأولوية للكوادر الوطنية لكن يجب عدم نسيان أن الفريق الطبي كالجسد الواحد ومن الأهمية أن يكون جميع أعضاء الفريق على نفس مستوى الكفاءة والمهنية للقيام بأفضل خدمة طبية.
وﻫــﻨــﺎك ﺗﺤﺪ آﺧــﺮ ﻣﻤﺜﻞ ﻓــﻲ مفهوم أن الطبيب الذي يتحول للعمل الإداري هو طبيب فاشل، ولتغيير هذه الصورة النمطية نتمنى أن نرى استثمارا أكبر وأفضل في القياديين القائمين على المرافق الصحية وإدارة المستشفيات. بل ويجب توفير و تأهيل إداري وقيادي مميز قبل إعطاء هذا المنصـب الإداري للطبيب أو غيره. فإدارة المستشفى أو المركز الطبي هي عملية صعبة وبحاجة إلى مهارات قيادية وسمات شخصية معينة. وللأسف، فإن بعض الذين يمنحون المناصب الإداريـة على وجه الهبة أو العطية وهم غير مؤهلون، فإنهم يعانون كثيرا ويسببون معاناة أكبر لفرقهم وإداراتهم ومراجعيهم، وهذا أمر واضح للعيان.
*ما الذي يحتاجه قطاع الرعاية الصحية برأيك ؟
– لدينا أفضل الأجهزة الطبية وأحدث الأدوية وكبرى الشركات العالمية تمارس أعمالها في الكويت لكن الجميع يتذمر من الخدمات، لماذا؟
أعتقد جازما أن تطوير العاملين وتمكين الكوادر الإدارية والطبية هو مفتاح الحل. وهو البعد الذي انطلقت منه فكرة إنشاء الأكاديمية للعمل في هذا الاتجاه. ولعلي أرى أن إدارة أي مستشفى تعد من أعقد الوظائف الادارية ولا يجب أن يتقلد هذه المناصب القيادية إلا الأشخاص المتمرسين في القيادة ومهارات التمكين. وليس بالضرورة أن يكون كل طبيب ناجح إداريا، ومعظم زملائي الأطباء يعرفون هذا الأمر وخاصة من عمل منهم في كندا أو بريطانيا ولاحظ أن بعض المستشفيات تدار من قبل ممرضات لهن باع طويل في الإدارة! ولا أقول أن هذا الشئ يسهل تطبيقه هنا في الكويت ولكن الشهادة الإدارية والقدرات القيادية هي التي يجب أن تحسم هذه المسألة. وأضيف أن عمل الوزارة حاليا يدمج بين إدارة المستشفيات والتوظيف والتدريب وكذلك الرقابة وهذه الأدوار بحاجة إلى فصل تام كما هو المعمول به في الدول المتقدمة. والمشكلة الرئيسية الأخرى هي المركزية في العمل وهذا لا يتناسب مع حجم الأعمال والانجازات المطلوبة لرؤيـة 2035.
ولابد هنا من الإشارة الى تقرير وزارة الصحة الأخير الذي ذكر أن عدد موظفي الوزارة وصل إلى أكثر من 50 ألف موظفا، ثلثهم من المهنييـن كالأطباء والصيادلة والممرضين، وهو ما يتوقع أن يتضاعف خلال العشرة سنوات المقبلة. أما النسبة المئوية في الاستثمار في التدريب فيمكن احتسابها من 3 إلى 6 في المئة من إجمالي الراتب السنوي الموظف أو الطبيب وهو معيار مهم ينظر إليه في الدول المتقدمة والمهتمة بتطوير كوادرها الطبية والفنية. وتأمل الأكاديميـة بالاستفادة المثلى من كافة الامكانيات المتاحة لدى عدة جهات حكومية وتعاون الجمعيات المهنيـة في النهوض بمستوى الرعاية الصحية والتقدم بخطى ثابـتة لتحقيق رؤيـة الكويت المستقبلية.
نشرت هذه المقابلة في جريدة السياسة وموقع أرقام بتاريخ 27 أبريل 2016