ولأنني في الطائرة ومازلت بانتظار الهبوط التدريجي على هذه الأرض الطيبة، حدثتني نفسي عن بلد الإنسانية فقالت: الإنسانية قيمة نبيلة وسلوك حضاري وليست شعارا لجائزة أو تصميم لملصق على واجهة السيارات!
عندما تنال الكويت اعترافا عالميا وتقديرا ثمينا بأن تسمى “مركزا للإنسانية” فماذا يعني هذا؟ يبدو أن البعض اعتقد أن استخدامها الأمثل يكون في الأناشيد والأوبريتات الغنائية أو بتزين الحوائط والمكاتب و شاشات المباني الذكية بلوحات جميلة وكفى. والحقيقة أن هذه التسمية هي فرصة ثمينة ونادرة لتحويل كل مناحي الحياة في الكويت لتعكس هذا المفهوم الراقي والاستثنائي. أن نكون مركزا للإنسانية فهذا يعني:
1- السلوك الوطني العام: أن تتحول قيمة الإنسانية إلى سلوك وطني وتعامل يومي وتفاعل كلي مع هذه القيمة، ومنها:
2- الإنسانية في المطار : أن توفر صالات انتظار راقية للمسافرين من الأجانب والآسيوين يستشعر فيها المسافر رقي الشعب الكويتي ومرافق المطار فيه. والإنسانية هنا أن يبادرك موظفو المنافذ بالتحية والتقدير لأنهم يحترمون إنسانيتك لا لون جوازك أو عيونك.
3-الإنسانية في الشارع: أن نفّعل قانون عبور المشاة في كل شارع رئيسي وفرعي، في المناطق السكنية والتجارية ووضع العلامات الدالّة عليه، مع توعية قائدي المركبات بواجباتهم والمشاة بحقوقهم، ولأن أطفال الكويت سيرون المنظر بإجلال وسيتعلمون احترام القانون في بلدهم قبل أن يضطروا لتعلمه رغما عنهم في الغربة!
4- الإنسانية في مخفر الشرطة: أن تستقبل بالتحية من قبل المحققين والقائمين على أمنك وأمن البلد فتجد مكان تجلس فيه، وتحتسي فيه قهوتك انتظارا لدورك ومن دون أن يقفز عليك أحدهم أو ينظر لك بنظرة أو يحدثك بإسلوب متعالي . كلنا يتعرض لحوادث المرور والإنسانية هنا هي أن ُتحل أزمتك وتنصف مشكلتك بأقل الوقت والجهد وبأرقى الأساليب المهنية والتقنية.
5- الإنسانية في التعليم: أن يبادر مدير المرحلة أساتذته بتحية الصباح قبل الكل لا أن ينتظها أولا منهم لينعكس هذا على المعلم ويحترم عقولهم بعلمه، وشخصياتهم بأدبه، و حاجاتهم النفسية والإنسانية قبل النظر في احتياجاته هو المادية ومشاكلة الشخصية.
” أن تتحول قيمة الإنسانية إلى سلوك وطني وتعامل يومي وتفاعل كلي مع هذه القيمة من قبل جميع أفراد المجتمع، مواطنين قبل المغتربين! وهي قيمة نبيلة وسلوك حضاري وليست شعارا لجائزة أو تصميم لملصق على واجهة السيارات! ”
(محمد ناهـس)
6- الإنسانية في المستشفى: ألا يتلقى الطبيب الضربات من مريض أرعن أو شاب غاضب. همه أن يأخذ الدواء حتى وإن سدد اللكمات في وجه الطبيب و يبادر العاملين بالإهانة الذين يمتد عملهم لساعات طويلة بحثا عن راحة المرضى.
الانسانية في الطب، ألا يبيع الطبيب أدويته ووكالاته الطبية في العيادة أو ينتظر آخر المساء حتى تحّول الصيدلية أو المختبر المجاور عمولته اليومية في حسابه البنكي. فالإنسانية أن تقدم العناية الطبية لمن هم بحاجة لها، لا أن ُتوقع معاملات العلاج في الخارج في الدواوين والمجالس.
7- الإنسانية في الحكومة: أن تعرف كم ستستغرق معاملتك من وقت، وما هي الإجراءات المعتمدة بالضبط، وما هي شروط الرفض والقبول لمعاملتك بكل شفافية ومهنية..وانسانية.
أن تجد المدير على رأس عمله قبل الموظف، مبتسما لمراجعيه لا موصدا بابه ومتصلا بالواتس اب، غير آبه بالمعاملات إلا ما صلح منها بحساباته ومزاجيته.
8- الإنسانية في العمل: أن يترقى أصحاب الكفاءة والمبادئ والقيم الانسانية، هؤلاء هم الجادون في نهضة بلادهم ومجتمعاتهم. الإنسانية ألا توزع المكافات السنوية والعطايا الحكومية على من أحب المدير وتملق له! الإنسانية هي أن تعامل عامل النظافة باحترام ورقي وكأنه أحد أعضاء مجلس إدارتك الموقرين.
9- الإنسانية في الجنسية: أن يمنح كل محب وشريف لهذا البلد مكانة محترمة ووضعا قانونيا سليما يشعر فيه بإنسانيته ورغبته في تقديم الغالي والنفيس لهذا البلد. لا أن تجعل منه حاقدا عليك وعلى أحفادك من بعدك لأنك تجهل “قيمة الإنسانية” وتعرّفها فقط على أنها “قيمة الجنسية”! توفير التعليم المحترم، والسكن اللائق، والخدمات والصحة البدنية والنفسية هي غاية جميع أفراد المجتمع مواطنين ومغتربين. ألم يتغرب أبناؤنا في الخارج من أجل العلم أو العمل؟ هل يجرؤ أحد أن يحطّ من قدرهم وإنسانيتهم ومكانتهم؟ إذا، لماذا لا نعامل الناس كما نحب أن نعامل؟
10- الإنسانية وللتأكيد على ما ذكرت في النقطة الأولى: أن تتحول قيمة الإنسانية إلى سلوك وطني وتعامل يومي وتفاعل كلي مع هذه القيمة من قبل جميع أفراد المجتمع، مواطنين قبل المغتربين! خلاصة الحديث، هذه فرصة حقيقة للنهوض بكرامتنا وكرامة الآخرين ودعوة لاحياء مفهوم وقيمة الانسانية في كل مناحي الحياة اليومية. مبادرة أطرحها بين أيدي المهتمين والمحبين لهذه الأرض الطيبة، والطيبين أهلها.
نشر المقال في الدروازة بتاريـخ: 7 أكتوبر 2017
<<مصدر الصورة: موقع روائع السفر>>