سئمت كثيرا من كلمة «دق ناقوس الخطر»، والتي تتردد مرارا على أسماعنا وأبصارنا في وسائل الإعلام، وأتساءل: متى يدق ناقوس الأمل أو جرس الفرصة؟!
وتحديدا أتحدث عن الأرقام المخيفة لأعداد المواطنين المقبلين على سوق العمل خلال العقد القادم. فوفقا لدراسة أعدتها إدارة تطوير النظم التابعة لديوان الخدمة المدنية (ونشرت في جريدة الأنباء بتاريخ 24 يونيو 2017) أنه من المتوقع دخول نحو 15 ألف مواطن في سوق العمل خلال عام 2017.
ولعل المثير للتأمل هو ارتفاع معدل النمو السنوي لهذا العدد حتى يصل إلى 29 ألف مواطن يتهيأون لسوق العمل في عام 2030، وليس هذا مثيرا للاستغراب في مجتمع يمثل فيه الشباب نحو 72% من إجمالي عدد السكان (وذلك وفقا لتصريح الشيخة زين الصباح وكيلة وزارة الدولة لشؤون الشباب في مارس 2017) في مناسبة تسمية الكويت «عاصمة الشباب»!
ونعود للسؤال الرئيسي، وبعد أن دق ناقوس الخطر مرارا، من الذي سيدق ناقوس الأمل ويأخذ بزمام المبادرة لوضع الحلول العملية والجذرية لأزمة التوظيف المرتقبة؟
وبالتأكيد فإن هذا الأمر بحاجة إلى تعاضد الجهود الحكومية على الاخص، ومن ثم يأتي دور القطاع الخاص وغيره. وفي ظل وجود عدة مؤسسات تعنى بهذا الأمر ارتأيت تقسيم هذه المؤسسات إلى 4 شرائح أو خطوط هجوم (وليست خطوط دفاع) يقع على عاتقها النظر في هذه الأزمة وهي كالتالي:
خط الهجوم الأول: ديوان الخدمة المدنية، والمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، والهيئة العامة للقوى العاملة، وبرنامج اعادة هيكلة القوى العاملة (وهم على وشك الاندماج قريبا). وهي مؤسسات حكومية لها ثقلها وأثرها الاستراتيجي وحري بها نشر «خارطة طريق» تنير الجوانب المظلمة فيه، وتجيب عن أسئلة السائرين في هذا الدرب، وخاصة فئة الشباب، حتى يتمكنوا من تجاوز التحديات المرتقبة في قطاع التوظيف ومعرفة الفرص الوظيفية المتاحة خلال العشرين سنة القادمة!
وهي ليست فترة بعيدة نسبيا إذا ما أدركنا أن أطفالنا ممن هم في مرحلة الأول الابتدائي في عام 2016، سيدخلون إلى سوق العمل بين عامي 2029 و 2032! وسيكونون ضمن الـ 30 ألف شخص بانتظار الوظيفة!
ولعل هذا النوع من التحديات بحاجة إلى حلول تقدم ورؤى تتبلور من قبل العديد من الجهات غير التي أشرت إليها. وهذا يدعونا إلى اقتراح أسماء بعض المؤسسات التي من الممكن أن تشكل خطي الهجوم الثاني والثالث.
خط الهجوم الثاني: ويمثله وزارة التربية ووزارة التعليم العالي، وجامعة الكويت، الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب وبعض لجان مجلس الأمة مثل لجنة الشؤون المالية والاقتصادية ولجنة شؤون التعليم والثقافة والإرشاد، وبعض الوزارات المهمة الأخرى كوزارة النفط والتجارة.
والحقيقة أن هذه الجهات لا تقدم تصوراتها ورؤاها فقط، بل هي جزء من آلية تنفيذ الحلول المرتقبة سواء التشريعية أو العملية. ولعلي أتوسع في مقال آخر في الحديث عن الفجوة الكبيرة بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل وهي مشكلة تعاني منها العديد من الدول حتى المتقدمة كالمملكة المتحدة والصين والهند وغيرها.
خط الهجوم الثالث: وتمثله مؤسسات ذات صلة وثيقة، ويجب ألا تكون بمعزل عن اتخاذ القرار وهي (على سبيل المثال وليس الحصر) مؤسسة الكويت التقدم العلمي، معهد الكويت للأبحاث العلمية، معهد الكويت للاختصاصات الطبية، معهد الكويت للدراسات المصرفية ونظرائهم، فهم يشكلون رافدا علميا وتنمويا مهما للاقتصاد المحلي ويتمتعون بشبكة علاقات دولية مهمة للغاية ولديهم استراتيجية وطنية واضحة.
الخط الرابع: وهو خط مرن يتسع مع اتساع الفرص المتاحة محليا، وتمثله شركات الاتصالات، البنوك المحلية، الشركات التابعة لمؤسسة البترول الكويتية وكبرى شركات الاستثمار، وكبرى مستشفيات القطاع الخاص وأمثالهم من الشركات القادرة على تفعيل السياسات العامة للدولة وبما يتناسب مع استراتيجياتهم الطموحة في التوسع والتي يجب أخذها بعين الاعتبار.
وختاما، أعتقد بأننا في أشد الحاجة إلى قرع أجراس الأمل وتقديم خطة واضحة تستشرف «مستقبل المهن في الكويت» وتحديد القطاعات الواعدة مهنيا وعلميا واقتصاديا حتى يقبل عليها الشباب والخريجون (سواء من داخل الكويت أو خارجها) وبما يتناغم مع إمكانياتهم الفردية وقدراتهم الشخصية إيمانا منهم بأنهم يساهمون جديا وعمليا ومهنيا في تطور بلدهم وتحقيق رؤيتها التنموية الواعدة!
نشر المقال في الأنباء بتاريخ 26 يوليو 2017